يتواصل اختبار العينين والأرجل بشكل يومي في منزل عبد الكريم أبو لاشين الجديد فانتقاله من العيش في بيت لا تتجاوز مساحته 23 متراً إلى 167 يجبره على مد بصره ورجليه في باحة المنزل الأمنية.
وكانت شركة مكة كولا تبرعت للمواطن عبد الكريم أبو لاشين 41 عام من سكان مخيم النصيرات بعشرين ألف $ لشراء منزل بعد نشر قصة صحفية في إذاعة صوت الأقصى جسدت الحالة الإنسانية التي عاشتها أسرة أبو لاشين المكونة من 11 فردا في حجرة واحدة .
وبعد 3 شهور على تكفل شركة مكة كولا بحل المعضلة تمكن أبو لاشين من إرساء سفينته في منزل قرب مسجد عبد الله عزام بمخيم النصيرات .
مفتاح ودموع
أحكم عبد الكريم قبضته على مفتاح المنزل الجديد الذي تسلمه للتو من رئيس مجلس إدارة شركة مكة كولا د.موسى الزعبوط , الصورة كانت تاريخية بالنسبة لأبو لاشين فاقت كل توقع وحلم دغدغ مشاعره .
بخطوات مسرعة فرّ عائدا إلى حجرته القديمة بمنطقة 'الكلبوش' خلف مسجد القسام , رفع راحته ليظهر المفتاح أمام عيون زوجته وأبنائه التسعة الذين تناوبوا على البكاء غير مصدقين .
الآن لا مجال لمقارنة حياة 11 فردا في حجرة خلف مسجد القسام بمخيم النصيرات مع منزل محترم في ذات المخيم , السنوات السبع مرت ثقيلة على رب الأسرة وهو يدعو ليل نهار ويتقلب في مقلاة الصيف والشتاء خلف جدران متهرئة ملت معاناة أصحابها .
عملية نقل الأمتعة انطلقت في ذات الساعة بسرعة خيالية من الحجرة القديمة إلى البيت الجديد فالفرار أصبح حتمي إلى أمنية تحققت على يد أهل الخير والإحسان في غزة.
قصة إنسانية
كنت أظنها مجرد قصة فحسب تنشر في نشرة الظهيرة بصوت الأقصى احد أيام السبت لكن السيد أبو أحمد الزعبوط ترجمها بشكل آخر فحصل على هاتف مراسل الإذاعة الخلوي ونسق لزيارة ميدانية في ذات اليوم ليحمل الصورة إلى مجلس إدارة الشركة في غزة .
د. موسى الزعبوط رئيس مجلس إدارة شركة مكة كولا للمشروبات الغازية قال لصوت الأقصى:'سمع أبو أحمد الزعبوط عضو مجلس الإدارة بالوضع المأساوي للأطفال وكان تقرير مؤثر في صوت الأقصى وعرض الموضوع علينا في مجلس الإدارة فاعتمدنا ذلك في إطار مساعداتنا الخيرية وقررنا دفع 20000$ لشراء بيت لأبو لاشين' .
وبعد 3 شهور من البحث عن منزل باع أبولاشين حجرته واستقر في منزل اشترته له شركة مكة كولا التي حضرت في احتفال مقتضب ضم 5 أشخاص هم 3 من أعضاء مجلس الإدارة وأبو لاشين وكاتب القصة وبائع البيت حيث رفع المفتاح في الصورة ككأس بطولة مهم .
ينشغل أبولاشين منذ أسبوع في إرساء قواعده في البيت الجديد , أصبح لديه حجرة ضيافة وابتسامة عريضة تستحق الملاحظة فيضيف:'فرحتي كبيرة وأولادي يلعبون وابنتي مي 4 سنوات تسألني من اشترى لنا هذا البيت فأجيبها عمو فترد بعفوية أنا أحبه هو روحي' .
يرفع أبولاشين بين حين وآخر كفيه مرددا دعاء ألفه من كثرة التكرار فيتابع:'الله يحفظهم ويجعل مأواهم الجنة شو بدي أشكر شو بدي أحكي !! هم إخوتي وساعدوني وأقول لصوت الأقصى يارب تعلو دائما وأدعو للسيد إسماعيل هنية بالنصر والصحة وأن نصلي خلفه في القدس الشريف' .
ذكرتني كلمات أبولاشين الأخيرة بكلمات الرئيس الراحل عرفات التي كان يتمنى فيها أن يدخل القدس لقد دفع أبولاشين فرحته لإطلاق تصريح سياسي من العيار الثقيل وقد وفق باختيار هنية بطلا له , طبعا بما أننا في غزة ! .
4 حجرات
4 حجرات وباحة منزل ومطبخ وحمام قسمة عادلة لأحد عشر فردا معظمهم أطفال ,أحدهم يدعى محمود 8 سنوات سأل عن المتبرعين ورفع يده بشهادة الكثيرين داعيا إلى أعضاء مجلس إدارة شركة مكة كولا وخاطب أباه قائلا:'كنا سابقا في غرفة واحدة والآن بإمكاني أن ألعب ' , الأب لم يتوقع يوما أن يحصل على بيت ظن أنه سيمضي بقية حياته في حجرته .
وأضاف الأب:'وقتي كان اكتئاب حتى أفرجها الله , وسكنت هنا وقام جيراني الجدد بمساعدتي فبعضهم تكفل بصيانة الحمام وآخر أصلح بعض التمديدات الصحية وغيرهم جاء لمساعدتي في الترتيب' .
أما ممثل الكتلة العمالية الإسلامية في محافظة الوسطى أبو علام أبو خبيزة فقال لصوت الأقصى إن كتلته زارت السيد أبو لاشين سابقا واضطلعت على حالته المأساوية التي تستحق المساعدة مضيفا:'اكتشفنا حالته الصعبة وتواصلنا مع الصحافة وتم نشر قصته التي دفعت شركة مكة كولا لحل مشكلته وهناك حالات تشبه قصته مسجله لدينا ' .
ويعتقد أبو علام أن تناول الملح في بيت أبولاشين الجديد سيكون أطيب بأي حال من العيش في حجرة ضيقة ضمت 11 فردا لسنوات .
وأكد د.موسى الزعبوط رئيس مجلس إدارة شركة مكة كولا بغزة إن شركته التي أسست عام 2003 مرت بظروف صعبة أقساها خسارتها مليون ونصف$ في الحرب حيث قصفت المواد الخام والمنتجات وتضررت بعض المعدات مضيفا:'رغم ذلك واصلنا ما وعدنا به أن هناك نسبة من ربحنا لأطفال فلسطين فالشركة الأم تقدم 10% ونحن أيضا مثلها فصارت النسبة 20% ولدينا أنشطة خيرية أخرى قدمناها للطلاب ' .
انفلونزا البيت الجديد
أصابت الأنفلونزا أسرة أبولاشين في اليوم الأول لها في البيت الجديد حيث قال إن تغير الجو من حجرة إلى منزل أصابهم بإعياء!! , بدت الإنفلونزا للمرة الأولى محببة إلى المصابين بها كيف ولا قد أتت عقب تفريج كربة امتدت لسنوات ثقيلة !! .
أكثر من فرح من الأبناء هي ميرفت في الثانوية العامة لقد حصلت على حجرة للدراسة وستمضي الشتاء بعيدا عن أواني تجميع مياه الأمطار القادمة من أعلى !
وتتحرك أم عبد الله زوجة ابولاشين بخطوات نشطة في حجرات المنزل بمكانها الآن تقسيم المهمات المنزلية وتوزيع الأطفال على الحجرات انطلاقا من دستور البيت الجديد !! .
لقد رفعت أم عبد الله يديها بالدعاء للشركة المتبرعة وكل من ساعدهم في الحصول على بيت بينما يحلم أبو عبد أبولاشين باكتمال حلمه حين يحصل على أي فرصة عمل تمكنه من العيش بكرامة في منزله الجديد.